ووضع الكتاب
صفحة 1 من اصل 1
ووضع الكتاب
ووضع الكتاب
ذكر في بعض الحكم أن رجلا كان يسوق دابته فعثرت فقال الرجل تعست الدابة يعني عثرت فقال ملك اليمين لملك الشمال ليست بحسنة فاكتبها فأوحي الله تعالي لملك الشمال ما ترك صاحب اليمين فاكتبه أنت فكتب صاحب الشمال قول الرجل تعست الدابة واعظم من هذا انه ما من عبد ولا أمة يتنفس نفسا إلا اثبت عليه في الكتاب فان خرج النفس في طاعة الله تعالى أثبته صاحب اليمين وان خرج النفس في غير طاعة الله أثبته صاحب الشمال حتى يحكم الله تبارك وتعالي يوم الحساب فيه بحكمه .
اعلموا معاشر المذنبين لو أن الله تعالى اطلع بعضنا على صحائف بعض وكشف له ما فيها من الذنوب لكان الناس يشتغلون عن معايشهم بتعيير بعضهم لبعض ولعنة بعضهم لبعض .
حكي عن محمد بن واسع رحمه الله أنه ما رآه أحد قط ضاحكا وإن كان ليبكي حتى ترحمه الناس فذكر له ذلك فقال يا أحبائي وكيف يضحك من لا يدري ما أثبت عليه في كتابه ولا يدري بما يختم له.
قال الملك الوهاب { ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه } الكهف 49
قال تبارك وتعالى { ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون } الإنعام 38
قال تبارك وتعالى { وكل إنسان ألزمناه طائره } الإسراء 13
روي عن محمد بن اللباد رحمه الله أنه قال دخل عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام وعلى نبينا محمد {صلى الله عليه وسلم} مدينة خربة فدخل قصرا من قصورها فنادى يا خراب الآخر بين أين أهلك وعمارك فأجابه شيء من آخر القصر يا ابن مريم بادوا وسيعودوا.
حكي عن مطرف بن الشخير رحمه الله أنه أرسل رسولا عن عوز ماء وكان في زمان الحر فأبطأ عليه الرسول وكان عنده جماعة قد عطشوا وكان معه قليل ماء فقام فتوضأ بذلك الماء ثم صلى ركعتين دعا فيهما مولاه سبحانه فأرسل الله تبارك وتعالى سحابة حتى شرب هو وأصحابه فقيل له بم بلغت هذه المنزلة فقال جعلت كتابي نصب عيني في ليلي ونهاري حتى كأني أقرؤه بين يدي ربي جل جلاله.
قال عبد الواحد بن زيد رحمه الله كنا عند محمد بن واسع ومعه مالك بن دينار فجاء رجل فكلم مالكا وأغلظ عليه في الكلام في قسمة قسمها وقال وضعتها في غير حقها وفضلت بها أهل مجلسك ليكثروا جمعك ولتصرف وجوه الناس إليك قال فبكى مالك بن دينار وقال ما أردت بهذا هذا الذي تقول قال بلى والله لقد أردته فلما أكثر على مالك الكلام رفع جيب يديه وقال اللهم إن هذا قد شغلنا عن ذكرك فأرحنا منه كيف شئت فسقط الرجل ميتا بإذن الله
وكان محمد بن واسع إذا جن عليه الليل يبكي ويقول في بكائه ويلي من ذنوب قد أحصيت ومن صحيفة قد ملئت وربي قد علم ذلك ولم يخف عليه من ذلك شيء فأورثه الله تعالى ببكائه على كتابه وعلى حيائه من ربه الاستجابة في الدعاء وتنور القلب.
ذكر عن بعض الخائفين أنه قال رأيت رجلا وافقا على صبي من الصبيان في المكتب وهو يمحو لوحا وكان اللوح قد كتبه بالحبر وكانت الكتابة قد ثبتت ولا تزول بالماء فجعل الصبي يحك اللوح بالحبل والتراب فقال الرجل الواقف عليه يا بني مالك تحك اللوح بالحبل فقال ليزول الحبر الذي ثبت فيه فقال له الرجل والحبل يا بني يزيل الحبر قال نعم ألا ترى أن الحبل إذا حك في تنور البئر يؤثر فيه وهو حجر فيصير فيه من أثر الحبل شبه الخنادق فقال الرجل ذلك بطول المدة فقال الصبي لا يا نعم الرجل إلا بالحزم والاجتهاد وإياك يا نعم الرجل بعيد الذهن قال الرجل كيف ذلك يا بني قال لأني قد قلت لك إشارة لو ألقيتها على قلبك لأفاق وامتحى الحبر الذي عليه فقال الرجل يا بني كان على قلبي حبرا قال يا عم وأي لون هو الحبر قال هو أسود
قال الصبي يا عم ألم أقل لك إنك بعيد الذهن وأي سواد أشد من سواد الذنوب على القلوب فصاح الرجل صيحة وخر مغشيا على وجهه ثم أخذ في البكاء
فقال له الصبي أما الآن فقد وجدت الدواء لذنوبك ومحوها من كتابك وقلبك
فقال الرجل يا بني وما الدواء فقال له البكاء
فقال يا بني والبكاء يمحو الذنوب من الكتاب والقلب
المرجع: كتاب بستان الواعظين ورياض السامعين للشيخ الحافظ ابن الجوزي
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى